Doctrine Malikite

Au Nom de Dieu le Clément, Miséricordieux



Le Prophète (paix et salut sur lui) dit : « Chercher la science est une obligation pour chaque musulman ».

Il dit aussi : « les Anges étendent leurs ailes à celui qui cherche la science : par satisfaction de ce qu'il fait ».

Et il dit : «Certes, Allah, et Ses anges, les habitants des cieux et de la terre, jusqu'à la fourmi dans sa tanière et jusqu'au poisson prient pour celui qui enseigne aux gens le bien ».

Qu’Allah fasse de ce Forum une aumône courante pour Sa Face généreuse.

Que nos intentions soient purement pour Allah seul.

Tout d'abord et avant de commencer on vous invite à lire attentivement la charte du Forum (format PDF, ci-après).

Ensuite voir les nouvelles règles de gestion des forums (format PDF, ci-après).

Un moteur de recherche en bas de chaque forum est à votre disposition afin de consulter les sujets déjà traités.

Lundi 14 Juin 2010

Version imprimable
تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً }


يقول الحقّ جلّ جلاله: ولما اتصل موسى بالخضر - عليهما السلام - استأذنه في صحبته ليتعلم منه، ملاطفة وأدباً وتواضعاً، وكذلك ينبغي لمن يريد التعلم من المشايخ: أن يتأدب ويتواضع معهم. { قال له موسى هل أتبعك على أن تُعلّمَنِ مما علِّمت رُشدًا } أي: مما علمك الله من العلم الذي يدل على الرشد وإصابة الصواب، لعلي أرشد به في ديني. ولا ينافي كونه نبيًا ذا شريعة أن يتعلم من غيره من أسرار العلوم الخفية؛ إذ لا نهاية لعلمه تعالى، وقد قال له تعالى فيما تقدم: أعلم الناس من يبتغي علم غيره إلى علمه. رُوي أنهما لما التقيا جلسا يتحدثان، فجاءت خُطافة أو عصفور فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر: يا موسى خطر ببالك أنك أعلم أهل الأرض؟ ما علمك وعلمي وعلم الأولين والآخرين في جنب علم الله إلا أقل من الماء الذي حمله هذا العصفور.

ولَمَّا سأله صُحْبَتَهُ { قال } له: { إِنك لن تستطيع معيَ صبرًا }؛ لأنك رسول مكلف بحفظ ظواهر الشرائع، وأنا أطلعني الله تعالى على أمور خفية، لا تتمالك أن تصبر عنها؛ لمخالفة ظاهرها للشريعة. وفي صحيح البخاري:' قال له الخضر: يا موسى، إني على علم من علم الله عَلَّمَنِيهِ، لا تعلمه أنت، وأنتَ على علمٍ من علم الله علَّمكَه الله، لا أعلمه '

ثم علّل عدم صبره بقوله: { وكيف تصبرُ على ما لم تُحط به خُبْرًا }؟ لأني أتولى أموراً خفية لا خُبر لك بها، وصاحب الشريعة لا يُسلم لصاحب الحقيقة العارية من الشريعة، { قال } له موسى عليه السلام: { ستجدني إِن شاء الله صابرًا } معك، غير مُعترض عليك. وتوسيط الاستثناء بين مفعولي الوجدان لكمال الاعتناء بالتيمن، ولئلا يتوهم تعلقه بالصبر، { ولا أعصي لك أمرًا } ، هو داخل في الاستثناء، أي: ستجدني إن شاء الله صابرًا وغير عاص.
وقال القشيري: وَعَدَ من نفسه شيئين: الصبر، وألاَّ يعصيه فيما يأمره به. فأما الصبر فَقَرنَه بالمشيئة، حتى وجده صابرًا، فلم يقبضْ على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل. والثاني قال: { ولا أعصي لك أمراً } ، فأطلق ولم يستثن، فعصى، حيث قال له الخضر: { فلا تسألني عن شيء } ، فكان يسأله، فبالاستثناء لم يخالف، وبالإطلاق خالف. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: وفيه نظر؛ للحديث الصحيح:
' يرحم الله موسى، لو صبر... ' مع أن قوله: ' ولا أعصي... ' الخ، غير خارج عن الاستثناء، كما تقدم، وإن احتمل خروجه، والظاهر: أن الاستثناء، كالدعاء، إنما ينفع إذا صادف القدر، وهو هنا لم يصادف، مع أنه هنا عارضه علم الخضر بكونه لم يصبر من قوله: { لن تستطيع معي صبرًا } ، وقد أراد الله نفوذ علم الخضر. هـ.

وقال ابن البنا: أن العهد إنما هو على قدر الاستطاعة، وإن الوفاء بالملتزم إنما يكون فيما لا يخالف الشرع، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لأن موسى عليه السلام لم يلتزم إلا ذلك. ولمّا رأى ما هو محرم تكلم... فافهم. هـ.

ثم شرط عليه التسليم لِمَا يرى، فقال: { فإِن اتبعتني فلا تسالني عن شيء } تشاهده من أفعالي، فهمْتَه أم لا، أي: لا تفاتحني بالسؤال عن حكمته، فضلاً عن مناقشته واعتراضه، { حتى أُحْدِثَ لك منه ذكرًا }؛ حتى أبتدي بيانه لك وحكمته، وفيه إيذان بأن ما يصدر منه له حكمة خفية، وعاقبة صالحة. وهذا من أدب المتعلم مع العالم، والتابع مع المتبوع، أنه لا يعترض على شيخه بل يسأل؛ مُسترشدًا بملاطفةٍ وأدب، وهذا في العلم الظاهر. وسيأتي في الإشارة ما يتعلق بعلم الباطن.

الإشارة: قد أخذ الصوفية - رضي الله عنهم - آداب المريد مع الشيخ من قضية الخضر مع موسى - عليهما السلام -؛ فطريقتهم مبنية على السكوت والتسليم، حتى لو قال لشيخه: لِمَ؟ لَمْ يفلح أبدًا، سواء رأى من شيخه منكرًا أو غيره، ولعله اختبار له في صدقه، أو اطلع على باطن الأمر فيه، فأحوالهم خضرية، فالمريد الصادق يُسلم لشيخه في كل ما يرى، ويمتثل أمره في كل شيء، فَهِم وجه الشريعة فيه أم لا، هذا في علم الباطن، وأما علم الظاهر فمبني على البحث والتفتيش، مع ملاطفة وتعظيم.

قال الورتجبي: امتحن الحق تعالى موسى عليه السلام بصحبة الخضر؛ لاستقامة الطريقة ولتقويم السنة في متابعة المشايخ، ويكون أسوة للمريدين والقاصدين في خدمتهم أشياخ الطريقة. هـ. قال القشيري في قوله: { فلا تسالن عن شيء }: قال: ليس للمريد أن يقول لشيخه: لِمَ، ولا للمتعلم أن يقول لأستاذه، ولا للعامي أن يقول للمفتي فيما يفتي ويحكم: لِمَ. هـ.

وقال ابن البنا في تفسيره: يُؤخذ من هذه القصة: ترك الاعتراض على أولياء الله إذا ظهر منهم شيء مخالف للظاهر؛ لأنهم فيه على دليل غير ظاهر لغيرهم، اللهم إلا أن يدعوك إلى اتباعه، فلا تتبعه إلا عن دليل، ويُسلم له في حاله، ولا تعترض عليه، ولا يمنعك ذلك من طلب العلم والتعلم منه، وإن كنت لا تعمل بعمله؛ لأنه لا يجب عليك تقليده إلا عن دليل، فلا تعمل مثل عمله، وأنت ترى أنه مخالف لك في ظنك، ولا علم لك بحقيقة باطن الأمر، فلا تقفُ ما ليس لك به علم

{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { فانطلقا } أي: موسى والخضر، وسكت عن الخادم؛ لكونه تبعًا، وقيل: إن يوشع لم يصحبهما، بل رجع، فصارا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نَوْل، فلما لَجَّجُوا البَحْرَ أخذ الخضرُ فأسًا فخرق السفينة، فقلع لوحًا أو لوحين مما يلي الماء، فحشاها موسى بثوبه، و { قال أخرقتها لتُغرق أهلَها } أو: ليَغرَق أهلُها، { لقد جئتَ } أي: أتيتَ وفعلت، { شيئًا إِمْرًا } أي: عظيمًا هائلاً، يقال: أَمِر الأمرُ: عظم، { قال } الخضر: { ألم أقل إِنك لن تستطيع معي صبرًا }؛ تذكيرًا لما قاله له من قبلُ، وإنكارًا لِعدم الوفاء بالعهد، { قال } موسى عليه السلام: { لا تُؤاخذني بما نسيتُ } أي: بنسياني، أو بالذي نسيته، وهو وصيته بأن لا يسأله عن حكمة ما صدر عنه من الأفعال الخفية الأسباب قبل بيانه، أراد: نسي وصيته، ولا مؤاخذة على الناسي، وفي الحديث: ' كانت الأولى مِن مُوسى نسيانًا ' أو: أراد بالنسيان الترك، أي: لا تُؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. { ولا تُرهقني } أي: لا تُغْشِنِي ولا تُحَمِّلْنِي { من أمري } ، وهو اتباعك، { عُسرًا } أي: لا تعَسِّرْ عليّ في متابعتك، بل يسرها عليّ؛ بالإغضاء والمسامحة.

{ فانطلقا } أي: فقبل عذره؛ فخرجا من السفينة فانطلقا { حتى إذا لقيا غلامًا فقتله } قيل: كان يلعب مع الغلمان ففتَلَ عنقه، وقيل: ضرب رأسه بحجر، وقيل: ذبحه، والأول أصح؛ لوروده في الصحيح، رُوي أن اسم الغلام ' جيسور ' بالجيم، وقيل: بالحاء المهملة، فإِن قلت: لِمَ قال { خرقها }؛ بغير فاءٍ، وقال: { فقتله } بالفاء؟ فالجواب: أن ' خَرَقَها ': جواب الشرط، و { قتله }: من جملة الشرط، معطوفًا عليه، والجزاء هو قوله: { قال أقتلت } ، فإن قلت: لِمَ خولف بينهما؟ فالجواب: أن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقد تعقب القتل لِقاء الغلام. هـ. وأصله للزمخشري. وقال البيضاوي: ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء، واعتراض موسى عليه السلام مستأنفًا في الأولى، وفي الثانية { فقتله } من جملة الشرط، واعتراضه جزاء؛ لأن القتل أقبح، والاعتراض عليه أدخل، فكان جديرًا بأن يجعل عمدة الكلام، ولذلك وصله بقوله: { لقد جئت شيئًا نُكرًا } أي: منكرًا. هـ. وناقشه أبو السعود بما يطول ذكره.

{ قال } موسى عليه السلام في اعتراضه: { أقتلتَ نفسًا زكية }: طاهرة من الذنوب، وقرئ بغير ألف؛ مبالغةً، { بغير نَفْسٍ } أي: بغير قتلِ نفسٍ محرمةٍ، فيكون قصاصًا. وتخصيص نفي هذا القبيح بالذكر من بين سائر القبيحات من الكفر بعد الإيمان، والزنا بعد إحصان؛ لأنه أقرب إلى الوقوع؛ نظرًا لحال الغلام

{ لقد جئتَ شيئًا نُكْرًا } أي: مُنكرًا، قيل: أنكرُ من الأول، إذ لا يمكن تداركه، كما يمكن تدارك الأول؛ بالسد ونحوه. وقيل: ' الإمْر ' أعظم؛ لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.

{ قال } له الخضرُ عليه السلام: { ألم أقل لك إِنك لن تستطيعَ معي صبرًا } ، زاد ' لك '؛ لزيادة تأكيد المكافحة؛ بالعتاب على رفض الوصية وقلة التثبت والصبر، لما تكرر منه الإنكار، ولم يَرْعَوِ بالتذكير، حتى زاد في النكير في المرة الثانية بذكر المنكر. { قال } موسى عليه السلام: { إِنْ سألتك عن شيء بعدها }؛ بعد هذه المرة { فلا تُصاحبني } إن سألتُ صُحبتَكَ، وقرأ يعقوب: ' فلا تصحبني '؛ رباعيًا، أي: لا تجعلني صاحبًا لك، { قد بلغتَ من لدُنِّي عُذْرًا } أي: قد أعذرتَ ووجدت مِنْ قِبَلِي عذرًا في مفارقتي، حيث خالفتك ثلاث مرات. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ' يرحم الله أَخِي مُوسَى، استحيا، فقال ذلك، لو لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لأبْصرَ أَعْجَبَ الأعَاجِيب ' وفي البخاري: ' وددنا لو صبر موسى، حتى يقص الله علينا من أمرهما '.

{ فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قريةٍ } ، هي أنطاكية، وقيل: أَيْلة، وقيل الأبُلة، وهي أبعد أرض الله من السماء، وقيل: برقة، وقال أبو هريرة وغيره: هي بالأندلس. ويُذكر أنها الجزيرة الخضراء. قلت: وهي التي تسمى اليوم طريفة، وأصلها بالظاء المشالة. وذلك على قول إن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ' كانوا أهل قرية لِئامًا ' وقال قتادة: شر القرى التي لا يُضاف فيها الضيف، ولا يعرف لابن السبيل حقه.

ثم وصف القرية بقوله: { استطعما أهلها } أي: طلبا منهم طعامًا، ولم يقل: استطعماهم، على أن يكون صفة لأهل؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم، فإن الإباء من الضيافة، مع كونهم أهلها قاطنين بها، أشنع وأقبح.

رُوي أنهما طافا بالقرية يطلبان الطعام، فلم يطعموهما. واستضافاهم { فأَبَوا أن يُضيفوهما } بالتشديد، وقرئ بالتخفيف. يقال: ضافه: إذا كان له ضيفًا، أضافه وضيّفه: أنزله ضيفًا. وأصل الإضافة: الميل، من: ضاف السهمُ عن الغرض: مال، ونظيره: زاره، من الازْوِرَار، أي: الميل. فبينما هما يمشيان، { فوجدا فيها جدارًا } ، قال وهب: كان طوله مائة ذراع، { يُريد أن ينقضَّ } أي: يسقط، استعار الإرادة للمشارفة؛ للدلالة على المبالغة في ذلك، والانقضاض: الإسراع في السقوط، وهو انفعال، من القض، يقال: قضضته فانقض، ومنه: انقضاض الطير والكوكب؛ لسقوطه بسرعة. وقرئ: أن ينقاض، من انقاضت السنُّ: إذا سقطت طولاً. { فأقامه } قيل: مسحه بيده فقام، وقيل: نقضه وبناه، وهو بعيد. { قال } له موسى: { لو شئتَ لاتخذتَ عليه أجرًا } نتعشى به، وهو تحريض له على أخذ الجُعل، أو تعريض بأنه فُضول، وكأنه لَمَّا رأى الحِرمَان ومساس الحاجة كان اشتغاله بذلك في ذلك الوقت مما لا يعني، فلم يتمالك الصبر عليه.
قال ابن التين: إن الثالثة كانت نسيانًا؛ لأنه يبعد الإنكار لأمر مشروع، وهو الإحسان لمن أساء. هـ. وفيه نظر؛ فقد قال القشيري في تفسير الآية: لم يقل موسى: إنك ألْمَمْتَ بمحظور، ولكن قال: لو شئتَ، أي: فإن لم تأخذ بسببك فهلا أخذت بسببنا، فكان أخْذُ الأجر خيرًا من الترك، ولئن وَجَبَ حقُّهم فَلِمَ أخللت بحقنا؟ ويقال: إنَّ سَفَرَه ذلك كان سفرَ تأديب، فَرُدَّ إلى تَحَمُّلِ المشقة، وإلاَّ فهو نسي، حيث سقى لبنات شعيب، وكان ما أصابه من التعب والجوع أكثر، ولكنه كان في ذلك الوقت محمولاً، وفي هذا الوقت مُتَحَمِّلا. هـ.

قلت: لأن الحق تعالى أراد تأديبه فلم يحمل عنه، فكان سالكًا محضًا، وفي وقت السقي: كان مجذوبًا محمولاً عنه.

ثم قال القشيري: وكما أن موسى كان يُحب صحبة الخضر؛ لما له فيه من غرض استزادةٍ من العلم، كان الخضر يحب ترك صحبته؛ إيثارًا للخلوة بالله عنه. هـ. قاله في الحاشية الفاسية.

الإشارة: يُؤخذ من خرق السفينة أن المريد لا تفيض عليه العلوم اللدنية والأسرار الربانية حتى يخرق عوائد نفسه، ويعيب سفينة وجوده، بتخريب ظاهره، حتى لا يقبله أحد، ولا يُقبل عليه أحد، فبذلك يخلو بقلبه ويستقيم على ذكر ربه، وأما ما دام ظاهره متزينًا بلباس العوائد، فلا يطمع في ورود المواهب والفوائد.

ويُؤخذ من قتل الغلام: أنه لا بد من قتل الهوى، وكل ما فيه حظ للنفس والشيطان والطريق في ذلك أن تنظر ما يثقل على النفس فتُحمله لها، وما يخف عليها فتحجزها عنه، حتى لا يثقل عليها شيء من الحق. ويؤخذ من إقامة الجدار رسم الشرائع؛ قيامًا بآداب العبودية، وصونًا لكنز أسرار الربوبية. ويؤخذُ منه أيضًا: الإحسان لمن أساء إليه، فإن أهل القرية أساؤوا؛ بترك ضيافة الخضر، فقابلهم بالإحسان؛ حيث أقام جدارهم. والله تعالى أعلم.

ثمَّ ذكر افتراقهما وبان الحكمة في تلك الخوارق

قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { قال } الخضر عليه السلام: { هذا فراقُ بيني وبينك } فلا تصحبني بعد هذا، { سأنبئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا } أي: سأخبرك بالخبر الباطن، فيما لم تستطع عليه صبرًا؛ لكونه منكرًا في الظاهر، فالتأويل: رجوع الشيء إلى مآله، والمراد هنا: المآل والعاقبة، وهو خلاص السفينة من اليد العادية، وخلاص أَبَوَيْ الغلام من شره، مع الفوز بالبدل الأحسن، واستخراج اليتيمين للكنز، وفي جعل صلة الموصول عدم استطاعته، ولم يقل: ' بتأويل ما رأيت '؛ نوعُ تعريضٍ به، وعناية عليه السلام.

ثم جعل يفسر له، فقال: { أما السفينة } التي خرقتُها، { فكانت لمساكين }: ضُعفاء، لا يقدرون على مدافعة الظلمة، فسماهم مساكين؛ لذلهم وضعفهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ' اللهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وأمتْنِي مِسْكِينًا، واحْشُرْنِي في زُمرةِ المَسَاكِينِ ' فلم يُرد مسكنة الفقر، وإنما أراد التواضع والخضوع، أي: احشرني مخبتًا متواضعًا، غير جبار ولا متكبر، وقيل: كانت السفينة لعشرة إخوة: خمسة زَمْنَى، وخمسة { يعملون في البحر }. وإسناد العمل إلى الكل، حينئذ، بطريق التغليب، ولأن عمل الوكيل بمنزلة الموكل. { فأردت أن أعيبها }: أجعلها ذات عيب، { وكان ورائهم ملكٌ } أي: أمامهم، وقرئ به، أو خلفهم، وكان رجوعهم عليه لا محالة، وكان اسمه: ' جلندي بن كركر ' وقيل: ' هُدَدُ بن بُدَد ' ، قال ابن عطية: وهذا كله غير ثابت، يعني: تسمية الملك. { يأخذُ كلَّ سفينة } صالحة، وقرئ به، { غَصْبًا } من أصحابها.

وكان حق النظم أن يتأخر بيانُ إرادةِ التعيُّبِ عن خوف الغصب، فيقول: فكانت لمساكين، وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، فأردت أن أعيبها؛ لأن إرادة التعيب مُسَبَّبٌ عن خوف الغصب، وإنما قدّم؛ للاعتناء بشأنها؛ إذ هي المحتاجة إلى التأويل، ولأن في التأخير فصلاً بين السفينة وضميرها، مع توهم رجوعه إلى الأقرب قال البيضاوي: ومبني ذلك - أي: التعيب وخوف الغصب - على أنه متى تعارض ضرران يجب حمل أهونهما بدفع أعظمهما، وهو أصل ممهد، غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة. هـ.

{ وأما الغلامُ } الذي قتلتُه { فكان أبواه مؤمنين } وقد طُبع هو كافرًا، وإنما لم يصرح بكفره؛ لعدم الحاجة إليه؛ لظهوره من قوله: { فخشينا أن يُرهقهما }: فخفنا أن يغشى الوالدَيْنِ المؤمنَيْنِ { طغيانًا } عليهما { وكفرًا } بنعمتهما؛ لعقوقه وسوء صنيعه، فَيُلْحِقُهُمَا شرًا، أو لشدة محبتهما له فيحملهما على طاعته، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، فلعله يميلهما إلى رأيه فيرتدا.
وإنما خشي الخضر عليه السلام منه ذلك؛ لأن الله سبحانه أعلمه بحاله وأطلعه على عاقبة أمره، وقرئ: ' فخاف ربك ' ، أي: كره سبحانه كراهية من خاف سوء عاقبة الأمر. ويجوز أن تكون القراءة المشهورة من قول الله سبحانه على الحكاية، أي فكرهنا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا؛ { فأردنا أن يُبدلهما ربُّهما خيرًا منه }؛ بأن يرزقهما بدله ولدًا { خيرًا منه زكاةً }: طهارة من الذنوب والأخلاق الردية، { وأقربَ رُحْمًا } أي: رحمة وعطفًا، وفي التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليهما ما لا يخفى؛ من الدلالة على وصول الخير إليهما، فلذلك قيل: ولدت لهما جارية، تزوجها نبي من الأنبياء فولدت نبيًا، هدى الله تعالى على يديه أمة من الأمم، وقيل: ولدت سبعين نبيًا، وقيل: أبدلهما ابنًا مؤمنًا مثلهما.

{ وأما الجدارُ } الذي أقمتُ { فكان لغلامين يتيمين في المدينة } أي: القرية المذكورة فيما سبق، ولعل التعبير عنها بالمدينة؛ لإظهار نوع اعتداد بها، باعتداد ما فيها من اليتيمين وأبيهما الصالح، قيل: اسم اليتيمين أصرم وصريم. { وكان تحته كنزٌ لهما } من فضة وذهب، كما في الحديث، والذم على كنزهما إنما هو لمن لم يؤد زكاته، مع أن هذه شريعة أخرى. قال ابن عباس: (كان لوحًا من ذهب، مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب؟ وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله، محمد رسول الله). وقيل: كانت صحفًا فيها علم مدفون.

{ وكان أبوهما صالحًا } ، فيه تنبيه على أن سَعْيَهُ في ذلك كان لصلاح أبيهما، وفيه دليل على أن الله تعالى يحفظ أولياءه في ذريتهم، قيل: كان بينهما وبين الأب الذي حُفظا به سبعة أجداد. قال محمد بن المنكدر: (إن الله تعالى ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده، ومَسربته التي هو فيها، والدويرات التي حولها، فلا يزالون في حفظ الله وستره). وكان سعيد بن المسيب يقول لولده: إني لأزيد في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحْفَظَ فيك، ويتلو هذه الآية. وفي الحديث: ' ما أحسن أحدٌ الخلافة في ماله إلا أحسن الله الخلافة في تركته ' ويؤخذ من الآية: القيام بحق أولاد الصالحين؛ إذ قام الخضر عليه السلام بذلك.

{ فأراد ربك } أي: مالكك ومُدبر أمرك. وفي إضافة الرب إلى ضمير موسى عليه السلام، دون ضميرهما، تنبيه له عليه السلام على تحتم كمال الانقياد، والاستسلام لإرادته سبحانه، وَوُجوب الاحتراز عن المناقشة فيما برز من القدرة في الأمور المذكورة وغيرها. أراد { أن يبلغا أشُدَّهما }: حُلُمَهُمَا وكمالَ رأيِهِمَا، { ويستخرجا كنزهما } من تحت الجدار، ولولا أني أقمته لانقض، وخرج الكنز من تحته، قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته، وضاع بالكلية؛ { رحمةً من ربك } مصدر في موضع الحال، أي: يستخرجا كنزهما مَرْحُومَيْنِ به من الله تعالى.
وقد استعمل الخضر عليه السلام غاية الأدب في هذه المخاطبة؛ فنسب ما كان عيبًا لنفسه، وما كان ممتزجًا له ولله تعالى؛ فإن القتل بلا سبب ظاهرهُ عيبٌ، وإبداله بخير منه خير، فأتى بضمير المشاركة، وما كان كمالاً محضًا، وهو إقامة الجدار، نسبه لله تعالى.

ثم قال: { وما فعلته } أي: ما رَأَيْتَ من الخوارق { عن أمري } أي: عن رأيي واجتهادي، بل بوحي إلهي مَلَكي، أو إلهامي، على اختلافٍ في نبوته أو ولايته، { ذلك } أي: ما تقدم ذكره من التأويلات، { تأويلُ } أي: مآل وعاقبة { ما لم تَسْطِع عليه صبرًا } أي: تفسير ما لم تستطع عليه صبرًا، فحذف التاء؛ تخفيفًا، وهو فذلكة لِمَا تقدم، وفي جعل الصلة غير ما مرَّ تكرير للتنكير عليه وتشديد للعتاب. قيل: كل ما أنكر سيدنا موسى عليه السلام على الخضر قد جرى له مثله، ففي هذه الأمثلة حجة عليه، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة، نودي: يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت مطروح في اليم؟ فلما أنكر قتل الغلام وقيل له: أين إنكارك من وكْزك القبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار، نودي: أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجر؟ والله تعالى أعلم.

رُوِيَ أنه قال له: لو صبرتَ لأتيتُ بك على ألفي عجيبة، كلها مما رأيت. ولما أراد موسى عليه السلام أن يفارقه، قال له: أوصني، قال: لا تطلب العلم لتحدث به، واطلبه لتعمل به. هـ.

وفي رواية: قال له: اجعل همتك في معادك، ولا تخض فيما لا يعنيك، ولا تأمن الخوفَ، ولا تيأس الأمْن، وتدبر الأمور في علانيتك، ولا تذر الإحسان في قدرتك. فقال له: زدني يا ولي الله، فقال: يا موسى إياك واللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك، من غير عَجَب، ولا تُعير أحدًا بخطيئة بعد الندم، وابك على خطيئَتك يا ابن عمران، وإياك والإعجاب بنفسك، والتفريط فيما بقي من عمرك، فقال له موسى: قد أبلغت في الوصية، أتم الله عليك نعمته، وغمرك في رحمته، وكلأك من عدوه. فقال الخضر: آمين. فأوصني أنت يا نبي الله، فقال له موسى: إياك والغضب إلا في الله، ولا ترضى عن أحد إلا في الله، ولا تحب لدنيا ولا تبغض لدنيا، فإنك تخرج من الإيمان وتدخل في الكفر، فقال له الخضر: قد أبلغت في الوصية يا ابن عمران، أعانك الله على طاعته، وأراك السرور في أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال موسى: آمين
نبيه: قد تقدم أن الجمهور على حياة الخضر عليه السلام. وسبب تعميره أنه كان على مقدمة ذي القرنين، فلما دخل الظلمات أصاب الخضر عين الحياة، فنزل فاغتسل منها، وشرب من مائها، فأخطأ ذو القرنين الطريق، فعاد، فلم يصادفها، قالوا: وإلياس أيضًا في الحياة، يلتقيان في كل سنة بالموسم، واحتج من قال بموت الخضر بقوله - عليه الصلاة والسلام-، كما في الصحيح، بعد صلاة العشاء: ' أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّه عَلَى رأسِ مِائَةِ سَنَةِ، لا يَبْقَى ممَنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدًا ' ، ويجاب بأن الخضر عليه السلام كان في ذلك الوقت في السحاب، أو يخصص الحديث به؛ كما يخص بإبليس ومن عَمَّر من غيره. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الاعتراض على المشايخ موجب للبُعد عنهم، والبُعد عنهم موجب للبُعد عن الله، فلا وصول إلى الله إلا بالوصول إليهم مع التعظيم والاحترام؛ ' سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه '؛ كما في الحِكَم. فالواجب على المريد، إذا كان بين يدي الشيخ، السكوت والتسليم والاحترام والتعظيم، إلا أن يأمره بالكلام، فيتكلم بآداب ووقار وخفض صوت، فإذا رأى منه شيئًا يخالف ظاهر الشريعة فليسلم له، ويطلب تأويله، فإن الشريعة واسعة، لها ظاهر وباطن، فلعله اطلع على ما لم يفهمه المريد.

وكذلك الفُقراء لا ينكر عليهم إلا ما كان محرّمًا مجمعًا على تحريمه، ولا تأويل فيه، كالزنا بالمعينة أو اللواط، وأما ما اختلف فيه، ولو خارج المذهب، فلا ينكر عليه، وكذلك ما فيه تأويل. هذا إن صحت عدالته، فقد قالوا: إن صحت عدالة المرء فليترك وما فعل. وتأمل قضية شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب في مسألة الثور الذي أمر الفقراء بذبحه، فلما ذبحوه تبين أنه كان صدقة عليه، وكذلك غيره من أرباب الأحوال، يُلتمس لهم أحسن المخارج، فإن أحوالهم خضرية، وما رأينا أحدًا أولع بالإنكار فأفلح أبدًا. وبالله التوفيق.

VSMF